مروة… شهيدة الغدر وسفالة العالم الرقمي

بينما كانت مروة هناك، في العالم الآخر، ملفوفة برحمة الرحمن الرحيم، بعد أن اختُطفت وقُتلت ودُفنت بوحشية، كانت خناجر بعض النفوس المريضة تواصل تمزيق كرامتها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، تمتص من شرفها الطفولي الطاهر ما يُرضي غرورًا إلكترونيًا سقيمًا، مقابل بضع “إعجابات” وقلوب زائفة.
لقد قُتلت مروة مرتين: مرة بسكين المجرم، ومرةً أخرى بألسنة المتنمّرين ومزيفي الحقائق، الذين رموا شرف طفلة لم تبلغ سن التمييز في مزاد الفضائح والافتراءات، بلا وازع من ضمير أو إنسانية.
منابر السم الرقمي
تحوّلت مواقع التواصل من وسيلة للتقارب الإنساني، إلى أدوات لهدم القيم، تسكنها ذئاب تقتات على آلام الآخرين. فلم تعد المصيبة في أولئك الذين كتبوا منشوراتهم القذرة عن مروة، بل في أولئك الذين ساهموا بنشرها، وتفاعلوا معها، وشرّعوها بإعجاباتهم و”تعليقاتهم الذكية”.
لقد بات هذا العالم الرقمي، لا يقلّ إجرامًا عن الواقع. بل صار أكثر قسوة، لأنه يقتل الميت مرتين، ويطعن الحياء في مقتل، ويحوّل الضحية إلى متّهم.
نداء أمّة مجروحة
ما جرى لمروة، لم يعد مجرد مأساة عائلية، بل فاجعة وطنية هزّت وجدان كل جزائري، ودفعت الآلاف إلى المطالبة بإعادة العمل بعقوبة الإعدام، في وجه كل من تسوّل له نفسه اختطاف طفل، أو اغتصاب براءة، أو التلاعب بمشاعر أمة كاملة.
إن مطلب تنفيذ حكم الإعدام لم يعد فقط صدى عاطفيًا لغضب الشارع، بل صرخة شعبية مدوية تطالب بالعدالة، وبردع المجرمين ممن تجاوزوا حدود الفعل البشري. فقد فاض الكيل، ولم يعد القانون الرخو يواسي الأمهات الثكالى ولا يعيد البسمة لأطفالنا المذعورين.
يا مروة… شهيدة الواقع والمواقع
طوبى لك يا مروة، فقد نلت الشهادة مرتين: مرة حين فارقتِ الحياة بيد الغدر، ومرة حين سقط القناع عن وجوه لا تعرف الرحمة. طوبى لك، لأنك كشفت لنا ما تخفيه بعض “الشاشات” من ظلام، وما تخزّنه بعض “القلوب” من قذارة. لقد ذكّرتِنا أننا بحاجة إلى ثورة أخلاقية، لا تقلّ أهمية عن الثورة على المجرمين.
ومن حقك أن تسألي، باسم كل الأبرياء:
بأي ذنب قُتلتِ؟… ولماذا مرتين؟
وأي قلب هذا الذي لا يزال يرفض أن يُعاد إليك جزء من حقك؟